بعض المستشفيات ما زالت تسجل حالات للأخطاء الطبية التي يذهب ضحيتها مرضى في غياب كثير من المعايير المطلوبة مثل الجودة ومستوى التأهيل الطبي ثم غياب الرقابة وغير ذلك من المعطيات المطلوبة التي تضمن سلامة المرضى.
السؤال الذي يفرض نفسه: أين يكمن الخلل الممهد لحدوث الأخطاء؟ هل يتمثل في مستوى الخدمات التي تقدمها المستشفيات أم غياب الرقابة التي تضمن عدم حدوث الخطأ؟
«عكاظ» طرحت قضية الأخطاء الطبية وأسئلتها على طاولة الخبراء من الأطباء والمسؤولين:
في مستهل الاستطلاع يرى وكيل وزارة الصحة الأسبق للتخطيط الدكتور عثمان الربيعة، ليس بالإمكان قطع دابر الأخطاء الطبية، بحيث لا تحدث مطلقا، حتى لو طبقت كل معايير الجودة وإجراءات الرقابة، والصحيح المطلوب هو العمل الدائم على إزالة أسباب حدوثها، وهي متعددة، ما يتطلب المتابعة المستمرة لإجراءات وسياسات العمل وتقويم الأداء وحسن توزيع الأعمال والمسؤوليات طبقا لحجمها وقدرات القائمين فيها وخبرتهم وخلق بيئة العمل المحفزة الخالية من أسباب التوتر بين العاملين، ومن عوامل تعريض سلامة المرضى للخطر وكذا العمل على تقويم كفاءة العاملين ورفع قدراتهم، والمبادرة دوما بتتبع أي نقص أو ضعف أو خلل في عناصر الرعاية العلاجية، مؤكدا أن المشكلة ليست في العقوبات بل في سرعة اكتشاف الخطأ وتصحيحه، أما تشديد العقوبة فيكون مطلوبا عندما يكون الخطأ ناتجا عن إهمال غير مبرر أو عن لا مبالاة.
تحسين 4 محاور
في ذات الشأن، يتحدث عضو هيئة التدريس في جامعة الملك عبدالعزيز، رئيس الجمعية السعودية لطب النساء والولادة سابقا، البروفيسور حسن صالح جمال ويقول: إن الأخطاء الطبية تشمل أسباب متعلقة بالطبيب الممارس والممرضة وإمكانيات المستشفيات، وفي بعض الأحيان إهمال المريض لصحته حتى يصل إلى مرحلة حرجة، ولذلك فإذا أردنا الإقلال منها وتفاديها يجب أن نعمل على تحسين هذه الأربعة محاور، وبشكل عام فإن الأخطاء الطبية موضوع شائك للغاية ويحتاج إلى صفحات، وقد دعيت من مؤتمر المنظمة الإسلامية للعلوم الطبية بالكويت لإلقاء بحث كامل عن الأخطاء الطبية وكيفية تفاديها وسأتحدث عنها بإسهاب عن الأسباب الحقيقية وراء زيادتها وكيفية تفاديها.
أخطاء أم مضاعفات؟
البروفيسور أحمد محمد عارف كنسارة، رئيس الجمعية السعودية العلمية للجراحة العامة استشاري وأستاذ الجراحة العامة وجراحة المناظير في كلية الطب بجامعة الملك عبدالعزيز، يتحدث عن الفرق الكبير بين الأخطاء الطبية والمضاعفات التي تحدث بعد العمليات الجراحية، مبينا أن الأخطاء الطبية بعد العمليات الجراحية تنقسم إلى قسمين: إما أخطاء نتيجة قلة خبرة الطبيب سواء كان الجراح أو طبيب التخدير أو إهمال من أحدهما، أما المضاعفات التي تحدث بعد العمليات الجراحية فقد تحدث حسب موضع ونوع العملية، فهناك مضاعفات قد تحدث خلال العملية وهناك مضاعفات تحدث بعد العملية على المدى القصير وأخرى قد تحدث على المدى الطويل، وممكن حدوث صعوبة التنفس إما بسبب إحتقان حول عصب الحبال الصوتية وهذا الاحتقان يزول بعد فترة من الزمن أو يدوم في حالة قطع العصب وفي الحالتين يحتاج إلى فتحة في الرقبة إلى القصبة الهوائية بصورة عاجلة لإنقاذ المريض تكون مؤقتة في الحالة الأولى ودائمة في الحالة الثانية، لذلك يجب أن يكون الجراح على خبرة ودراية كاملة عن المنطقة التشريحية لتجنب قطع عصب الحبال الصوتية.
وفاة مفاجئة
ويؤكد البروفيسور كنسارة أنه يجب على الطبيب أن يشرح للمريض عن طبيعة العملية وعن جميع المضاعفات التي قد تحدث نتيجة العملية، لكن للأسف 40 % من الأطباء لا يقدمون على هذا الإجراء خشية أن يلجأ المريض إلى طبيب آخر، فلا يخبره باحتمال حدوث المضاعفات ويظن أن ذلك هو الإجراء السليم. وحول الحالات التي لا تشكل خطورة في إجراء العملية إلا أنها تتعرض للوفاة مثل عملية تغيير المسار أو شفط دهون وما شابه ذلك، أجاب البروفيسور كنسارة: يجب أن يدرك الجميع أن السمنة المفرطة عند بعض الأشخاص تمثل خطرا على حياتهم بتأثيرها على القلب وسكر الدم والضغط وغيره، فعمليات تغيير المسار أو غيرها والتي تجرى لمرضى السمنة المفرطة لها مضاعفاتها، كما أن لها فوائدها، وفي هذه الحالة يجب على المصاب بالسمنة المفرطة أن يحاول أن يتبع نظام رجيم لإنقاص الوزن، وفي حالة فشل المصاب يجب عمل الموازنة بين خطورة وضعه الصحي وبين خطورة مضاعفات العملية التي قد تحدث، فبعض مضاعفات العمليات الجراحية للمصابين بالسمنة المفرطة تكون مميتة مثل حدوث الجلطة الرئوية، أو حدوث تسريب من جراء عمليات تحويل المسار أو استئصال جزء من المعدة مما قد يسبب التهابات حادة داخل البطن ممكن تؤدي إلى تسمم الدم مما يؤدي إلى ارتفاع نسبة الوفيات إلى 70 % في مثل هذه الحالات.
إهمال وتراخٍ
في سياق متصل، دعا خبير الإدارة الصحية البروفيسور رضا محمد خليل، إلى ضرورة التفريق بين الأخطاء الطبية والمضاعفات الطبية، فالمضاعفات الطبية واردة وتحدث في بعض الأحيان والأطباء على علم بذلك والبعض منهم يشرح للمريض احتمالات المضاعفات، أما الأخطاء نتيجة الإهمال أو التراخي أو عدم إعطاء الاهتمام المطلوب للمريض فهذا أمر غير مقبول والعقوبات الموجودة في الأنظمة كافية والمطلوب تطبيق الأنظمة.
معادلة صفرية
من جانبه، يقول أستاذ مساعد طب المجتمع وكيل كلية الطب ورئيس قسم الصحة العامة في جامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية الدكتور محمود عبدالرحمن محمود: إن الخطأ الطبي يحدث وسيظل يحدث في كل مكان فليس هناك معادلة صفرية لعدم حدوث الأخطاء الطبية ولكن مع أنظمة الجودة تتحول هذه الأخطاء لفرص تحسين تضمن التقليل من تكرار ذات الخطأ أو منعه إن كان ذلك ممكنا، أحيانا يكون سبب الخطأ مشاعا لا تستطيع أن تضع يدك على المسبب الرئيسي هل هو الإمكانات أو التدريب أو القرار الإداري أو الطبي ويبقى الوضوح لو كان الإهمال البشري أو تجاوز صلاحيات الاختصاص والخبرة وهذه الأخيرة أقل بكثير مع ازدياد الوعي في هذا الجانب.
تجار الجدل
في كل دول العالم، كما يقول الدكتور محمود: هناك نسبة مقبولة للأخطاء الطبية المحتملة أو ما تسمى بالمضاعفات، وهنا يتم الخلط من عامة الناس بين الحالتين، ولا ينبغي أن تكون هذه الحوادث مصدر لفقد الثقة بين مقدم الخدمة ومستهلكيها فالعواقب حينها ستكون أشد، فيتجه المرضى إلى غير المختصين من تجار الدجل والمعالجات غير الموثوقة وغير المبنية على البراهين، وتبقى نسبة من الأخطاء وينبغي التعامل معها في إطار العقوبات المناسبة فيما يتعلق بالإهمال أو المجازفة غير المقبولة علميا، فالبيئة الآمنة أحد شروط تقديم الخدمة الصحية، وللتقليل من الأخطاء الطبية هناك عدة عوامل ينبغي أن تؤخذ في الحسبان بدءا من مخرجات التعليم الصحي مرورا بالبنية التحتية وانتهاء ببيئة العمل ومشاكل الجودة والرقابة أضف إلى سبب مهم وهو أن إدارة العمل بالمنشآت الصحية تحتاج لإعادة توصيف الإجراءات لكل خدمة مقدمة مما يضمن العمل بمنهجية الأدلة المبنية على البراهين لخدمة صحية آمنة.
الممرض المؤتمن
الدكتور نزار خضري يقول: إن الأخطاء الطبية سببها الأساسي الإهمال فقد يكون الإهمال في التشخيص أو في إهمال متابعة المريض بعد العملية أو بسبب قلت الخبرة، وجميع هذه العوامل هي محور الأخطاء الطبية وللتغلب عليها لا بد من علاج تلك المحاور، فالتشخيص الجيد يعني توفير طاقم طبي مساعد على دراية وعلم مع توفير أجهزة التشخيص المتطورة كما أن طاقم التمريض يلعب دورا مهما في متابعة المريض بعد العملية، فالممرض غير المؤتمن أو المهمل أو غير المدرب جيدا قد يؤدي إلى حدوث مضاعفات للمريض قد تؤدي للوفاة والمحور الأخير هو الخبرة، لذلك فإن ورش العمل والزيارات المتبادلة للخبراء في المجال الطبي والدورات التدريبية وحضور المؤتمرات العالمية مهم للغاية لصقل مهارات جميع العاملين في المجال الصحي.
الأخطاء تقتل 400 ألف في أمريكا
الباحث والمدرب في سلامة المرضى والصحة الإلكترونية سلطان المطيري، اعتبر أن الأخطاء الطبية مهدد خطير لسلامة المرضى، إذ تستنزف الملايين من الأموال وتهدر الطاقات البشرية نتيجة المضاعفات ما يتطلب مدة بقاء اطول للمريض في المستشفى، الى جانب تكاليف اكثر وجهود اضافية لعلاج المضاعفات، والأهم من ذلك هو معاناة المرضى والألم الذي يشعرون به بسبب الأخطاء.
وبحسب المطيري، تشير التقارير العالمية إلى ارقام كبيرة من الأخطاء الطبية تحدث في منشآت الرعاية الصحية في دول العالم، حيث اشار تقرير الجمعية الاسترالية لسلامة المرضى الى وفاة 18 ألف مريض سنويا بسبب الأخطاء الطبية في استراليا، بينما دراسة في العام 2013 نشرت في مجلة سلامة المرضى أشارت إلى وفاة 400 الف مريض سنويا في الولايات المتحدة الأمريكية وتقرير مجموعة خبراء الصحة في عام 2000م الذي اكد حدوث 850 ألف خطأ طبي في كل عام في المملكة المتحدة.
استنزاف طاقات المستشفيات
هناك اسباب كثيرة للاخطاء بعضها مرتبط بالإنسان مثل قصور التدريب وقلة الخبرة والشعور بالإحباط والإجهاد وكثافة مهام العمل. وهناك أسباب -كما يرى الباحث المطيري، مرتبطة بنظام المنشأة الصحية مثل غياب الاتصال الفعال بين العاملين وعدم الإبلاع عن الأخطاء مع عدم توفر قاعدة بيانات لها وعدم توفر نظام التناسب بين عدد المرضى وعدد العاملين وعدم توفر دليل سياسات واجراءات تقديم الرعاية الصحية وهناك أسباب مرتبطة بالرعاية الصحية مثل طول مدة بقاء المريض في المستشفى فكلما زادت مدة بقائه زادت احتمالية تعرضه للأخطاء.
وعن تأثير الأخطاء الطبية على الحالة الجسمانية والنفسية للمريض، بين سلطان المطيري بأن بعض الأخطاء تؤدي إلى إعاقات بسبب بتر أحد الأطراف بالخطأ او فقدان لوظيفة عضو في جسم الإنسان ومثل هذه النتائج ربما تجعل المريض غير قادر على العمل والتي بدورها تؤثر على حالته النفسية.
وعن الخسائر المالية بسبب الأخطاء، كشف بأن الميزانيات المالية للرعاية الصحية معرضة للخسائر الفادحة مستشهدا بالتقارير المنشورة عالميا، وقال: لو أخذنا نسيان أدوات العمليات الجراحية داخل أجسام المرضى فإنها تتطلب إعادة المريض مرة أخرى لغرفة العمليات لاستخراج الأدوات وهذا بدوره يزيد من مدة تنويم المريض.
وأبان المطيري أن هناك بعض الدول التي كشفت عن خسائرها المالية بسبب الأخطاء الطبية، مشيرا إلى أن الخسائر الطبية في الولايات المتحدة الأمريكية بلغت في عام واحد 19.5 بليون دولار 87 % منها ما هو متعلق بتكلفة العلاج الإضافية شاملة الأدوية وإجراءات الفحص والعلاج.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق